نص الورقة الامريكية التى تأسس للحوار المقترح فى السودان
منذ يوم 09:45
(معهد السلام الأميركي )
معهد السلام الأميركي
الطريق إلى الحوار الوطني في السودان
برينستون ل. ليمان
جون تيمن
13 أغسطس، 2013
• موجز سلام رقم 155
(لقد حان الوقت لأن يشرع السودان في حوار داخلي حقيقي، وعملية إصلاحية تؤدي إلى حكومة ممثلة لقاعدة واسعة، وديمقراطية وقادرة على السعي نحو عملية مصالحة مجدية بين السودانيين):
ملخص :
• يحتاج السودان بصورة ملحة للشروع في إجراء حوار وطني، وعملية إصلاح يديرها الشعب السوداني بنفسه ويدعمها المجتمع الدولي.
• ينبغي أن تكون العملية واسعة لأقصى حد، وأن تشمل عناصر النظام الحالي، والإسلاميين، وجماعات المعارضة المسلحة وغير المسلحة.
• ستستغرق أية عملية جادة وقتًا طويلاً، وقد تتطلب أعواما لتكتمل. وإذا كانت حقيقية وشاملة، فقد تستدعي تأجيل انتخابات عام 2015 .
• يلعب فريق التنفيذ رفيع المستوى التابع للاتحاد الإفريقي، دورًا مهما للغاية للترويج لهذه العملية وتوجيهها.
مقدمة :
بعد عامين من فقدان السودان لربع عدد سكانه ومساحته، يظل البلد في أزمة كبيرة. ولم يسفر انفصال جنوب السودان عام 2011 عن تسوية النزاعات طويلة الأمد في السودان. فمنذ ذلك الوقت، يواجه نظام الرئيس عمر البشير تمردًا مسلحا يتزايد قوة، وانقسامات داخلية، ومحاولات للانقلاب عليه من قِبَل عناصر من الجيش. ولقد حان الوقت لأن يشرع السودان في حوار داخلي حقيقي، وعملية إصلاحية تؤدي إلى حكومة ممثلة لقاعدة واسعة، وديمقراطية وقادرة على السعي نحو عملية مصالحة مجدية بين السودانيين. ولكن يبقى البدء في هذه العملية صعبًا كما كان دائما.
هناك توافق دولي متزايد على أن الجهود الفردية والمجزأة، المبذولة لتسوية النزاعات الداخلية بين الأطراف المختلفة في السودان – من الحرب الدائرة في دارفور، والتي نشبت منذ أكثر من عقد، إلى العنف المتجدد في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق – قد فشلت. وبدلا من ذلك، يتزايد الإدراك، على الأقل عند خصوم النظام وبعض الأطراف في المجتمع الدولي، بالحاجة إلى نهج أكثر شمولية للنزاعات الداخلية في السودان، للتعاطي مع أمهات قضايا الحوكمة، وإدارة التنوع والمصالحة.
وبينما تُجرى مناقشات مستمرة وحادة في مختلف أروقة نظام البشير حول الحاجة إلى التغيير، لم تتوسع تلك المناقشات لتشمل أحزاب المعارضة أو الجماعات المسلحة التي تحارب النظام. وعلاوة على ذلك، لا يستسيغ الرئيس البشير ونظامه أية عملية قد تنتهي باختفائهم من المشهد، لا سيما بوجود اتهامات المحكمة الجنائية الدولية للبشير وبعض كبار مساعديه، الذين يواجهون محاكمات محتملة في لاهاي إذا غادروا مناصبهم. فاقتناع النظام بالمشاركة في حوارٍ هادف وعملية إصلاحية، بينما تجري معالجة هموم الحفاظ على النفس، يبقى معضلة محورية لم تتم تسويتها.
تطبيق الحوار الوطني والإصلاح
يمكن أن تكون نقطة البداية هي التركيز على المبادئ المؤسسة لأي حوار وطني وعملية إصلاح. ومن أهم هذه المبادئ أنه ينبغي أن تتمتع أية عملية بمشاركة واسعة على أساس الاعتراف بحق جميع أطياف المجتمع السوداني في المشاركة في العملية، بما في ذلك الإسلاميون الذين يشكلون جزءا من النسيج السوداني السياسي، وهم مشاركون شرعيون في أية عملية، وأيضا عناصر النظام الحالي الذي يحظى بتأييد قطاع من المجتمع السوداني، لا سيما أولئك الذين استفادوا اقتصاديًا من هذا العهد. يحتاج المشاركون أيضا إلى تضمين المعارضة المسلحة، والتي تقودها في الوقت الراهن الجبهة الثورية السودانية، وهي عبارة عن اتحاد الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال، وحركات التمرد الثلاثة الأساسية في دارفور. وتدعو الجبهة الثورية إلى التسوية السلمية لأزمات السودان، إلا أن أعمالها تدعو إلى التشكيك بهذا الالتزام، كما اتضح من هجوم عناصرها في شمال السودان بعد ساعات قليلة من جلسة المحادثات الأولية مع الحكومة في إبريل/نيسان. وكان انهيار المحادثات فيما بعد انتكاسة، وهو ما في الغالب يمكن المتشددين الحكوميين سياسياً من معارضة المفاوضات بشدة. وإذا عزمت الجبهة على المشاركة في العملية السياسية، فإنها تحتاج إلى إنشاء مكون سياسي أقوى في نشاطاتها، إذ أنها ما زالت تنحرف إلى الآن إلى أهداف عسكرية، وكذلك إلى تقييم التزامها الموحد بالتغيير السلمي بكل أمانة. وفي حال كان هذا الالتزام حقيقيًا، لابد من وجود مساعدة دولية في صورة تدريب وبناء القدرات، للمساعدة في انتقال الجبهة لأن تكون شريكا سياسيًا في مستقبل السودان. وستستاء الخرطوم من هذه المساعدة لخصومها المسلحين، ولكن هذا الأمر ضروري للغاية لإجراء عملية حوار سلمية. ويتمثل السبب في الإخفاقات المستمرة لعمليات التفاوض التي أجريت في السودان في الماضي في أنها غالبًا ما كانت تتضمن المتحاربين فقط، أي الحكومة والثوار المسلحين. ولضمان نجاح أي حوار وطني، ينبغي إشراك أحزاب المعارضة السياسية التقليدية والمجتمع المدني بطريقة جادة. ومن المرجح أن يسفر هذا عن إبطاء العملية وجعلها أكثر تعقيدا، ولكنه يجعل الاتفاقات أكثر ديمومة أيضا. وما يزيد الأمور تعقيدا هو الانقسامات داخل الجماعات غير المسلحة، سيما فيما بين أحزاب المعارضة السياسية، وتلك داخل الجبهة الثورية السودانية. وهذا مكان آخر حيث يمكن للمساعدة الخارجية والحوارات بين مكونات المعارضة أن يساعدا في تسهيل مسار الحوار الوطني.
وللبدء في عملية الحوار، ينبغي وجود بعض إجراءات بناء الثقة المتواضعة بين المشاركين المحتملين، وخاصة بين النظام والجبهة. وإحدى الخطوات يمكن أن تكون وقف الأعمال الوحشية التي تجري في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق (وهو هدف سعى لتحقيقه العديد من الدبلوماسيين خلال السنتين الماضيتين دون جدوى حقيقية). والتسوية في قلب أي وقف للعنف يمكن أن تكون تعليق عناصر الجبهة لعملياتهم العسكرية ووقف استعمال السلاح (تماما كما فعل المؤتمر الوطني الأفريقي خلال المفاوضات التي جرت في جنوب أفريقيا) مقابل السماح لهم بالعمل بحرية كحزب أو أحزاب سياسية. ويمكن لهذه المقايضة أن تنجح أكثر من مجرد مطالبة الجبهة بالتخلي عن أسلحتها أولاً. ويمكن لمثل هذا التفاهم أن يعني تداعيات مهمة للمنظمات الإنسانية العاملة على أرض الواقع، وهي التي ظلت عاجزة لبعض الوقت عن الوصول إلى العديد من المجموعات اليائسة في جنوب كردفان، والنيل الأزرق، فضلاً عن تشجيع الجبهة على التركيز على عملياتها السياسية بصورة أكبر.
وستكون الإعدادات التفصيلية لعملية الحوار، والتوصل إلى توافق واسع حول خطة العمل ونطاقها، وتأثير العملية قبل أن تبدأ، بنفس الأهمية. وسيستغرق هذا الأمر وقتًا، قد يصل لعام أو يزيد، ولكنه ضروري. ويمكن أيضا للدبلوماسية المكوكية الهادئة بين المشاركين أن تساعد في تضييق الفجوات بينهم، تماما كما يحدث مع حوارات (المسار الثاني) التي تديرها المنظمات غير الحكومية، والتي تعقد بعضها حاليًا، ويمكنها أن تعمل على تيسير الانتقال إلى عملية ”المسار الأول“ بصورة اكثر رسمية. وخلال فترة ما قبل الحوار هذه، ينبغي التعاطي مع بعض الأسئلة المحورية: هل يقوم الحوار بإرساء مبادئ يمكن على أساسها متابعة العملية السياسية؟ أو هل ستعمل العملية ذاتها على صياغة دستور جديد؟ هل ثمة حاجة إلى سلطة انتقالية للإدارة والحكم خلال عمليات الحوار جميعا أو جزء منها؟ كيف يمكن دمج النتائج في صورة قانون أو سياسة يتم تنفيذها في النهاية؟ ما هي الآليات التي يمكن وضعها لضمان الشفافية ولبناء الثقة في أن القادة يتخذون قراراتهم لصالح السودان، وليس لصالحهم فقط؟ كيف سيتم إعلام المواطنين ومشاورتهم بشأن موضوعات الحوار والقرارات التي يتم اتخاذها. ويمكن للأطراف الخارجيين تقديم اقتراحات للتعاطي مع هذه الأسئلة، إذ هناك العديد من الأمثلة على عمليات حوار جرت في أماكن أخرى يمكن استخدامها كنماذج، إلا أن هذه الأسئلة ينبغي أن تكون قد علقت بأذهان أهل السودان وقاموا بالإجابة عليها.
وإذا شاركت جميع الجماعات التي يجب مشاركتها في العملية، فمن غير المرجح أنها سوف تصل إلى توافق تام، نظراً إلى التاريخ الطويل من الانقسامات العميقة فيما بينها. وإذا كان هذا هو الحال، فينبغي للسودان أن يستعير مفهوم ”التوافق الكافي“ من عمليات التفاوض المطولة التي جرت من أجل إنهاء التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. فلقد تضمنت تلك المفاوضات أيضا العديد من المشاركين وجماعات مصالح متعددة، ولم يكن مرجحا أن تصل إلى اتفاقات واسعة، إلا أنها أدركت أن ”التوافق الكافي“ سيتحقق إذا ما اتفق الحزبان الأساسيان في عملية التفاوض، وهما حزبا المؤتمر الوطني الأفريقي والحزب الوطني. وسوف يحتاج السودانيون إلى الاتفاق على مجموعة الأحزاب التي يمكن أن تشكل (التوافق الكافي) داخل السودان.
ويمثل التقويم السياسي السوداني جانبًا آخر من التعقيد، حيث إنه من المزمع عقد الانتخابات في السودان في عام 2015 . وبينما يمكن إتمام عملية الحوار في غضون عامين، إلا أن هذا غير مرجح نظراً إلى المعوقات الكثيرة لمثل هذه العملية، وضخامة عدد القضايا التي يجب مناقشتها، فضلاً عن حقيقة أن عمليات الحوار الناجحة التي جرت في أماكن أخرى استغرقت سنوات عديدة، وربما أكثر من ذلك، لكي تسفر عن نتائج مثمرة. ولا ينبغي النظر إلى انتخابات عام 2015 على أنها نقطة النهاية الثابتة للعملية، كما لا ينبغي السماح للنظام باستخدامها لإضفاء الشرعية على حكمه عبر انتخابات يشوبها القصور، كما كان الحال في انتخابات 2010 . وبدلاً من ذلك، إذا كانت هناك عملية حوار حقيقية، تحظى بمشاركة واسعة وزخم، ينبغي التفكير في تأجيل الانتخابات لعامين على الأكثر.
مساعدة خارجية للتغيير الداخلي
من غير المرجح أن تستطيع الأحزاب السودانية بدء عملية حوار وطني بنفسها والمحافظة عليها. وينبغي أن يتم توفير الإشراف والدعم الخارجيين واللازمين، بشكل أساسي من قبل فريق التنفيذ رفيع المستوى التابع للاتحاد
الأفريقي، وهو هيئة متخصصة قام الاتحاد بإنشائها في عام 2010 ، ويرأسها رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي. ولقد ركز الفريق معظم جهوده على الوساطة في المفاوضات حول القضايا الصعبة بين السودان وجنوب السودان فيما بعد الانفصال، وأحرز نجاحات ملحوظة. كما تم توسيع نطاق تفويض الفريق مؤخرًا حتى شهر يناير/كانون الثاني، 2014 ، إلا أنه ينبغي عليها أن تركز مجددًا على الانقسامات الداخلية العميقة في السودان، التي عبر الرئيس مبيكي عن اهتمامه بالعمل على التعاطي معها (كتب مبيكي في أحدث تقرير انتقالي له: ”يقترح فريق التنفيذ رفيع المستوى التابع للاتحاد الإفريقي الاشتراك مع كل حكومة (السودان وجنوب السودان) حول خطة عملها بشأن التحول إلى الديمقراطية والإصلاح الدستوري.(وينغي أن يعمل الفريق كدليل وداع لعملية الحوار، مع دعم كامل من جانب مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، والذي ينبغي أن يكون أعضاؤه متحمسين لوضع نهاية للأزمات التي لا تنتهي في السودان على رأس جدول أعمالهم. ويمكن للرئيس مبيكي والفريق أن يكونا مفيدين بشكل خاص في عملية الإعدادات التفصيلية، ومرحلة ”ما قبل الحوار) الضرورية قبل البدء في العملية، خصوصا في ظل مشاركته في عملية الحوار والإصلاح التي جرت في جنوب أفريقيا في فترة التسعينات. وللسماح للرئيس مبيكي وأعضاء الفريق الآخرين بالتركيز على الحوار والإصلاح في السودان، سيتطلب الأمر توسيع الفريق ووضع آليات إضافية له، من أجل الإشراف على تنفيذ الاتفاقيات التي يتم التوصل إليها بين دولتي السودان وجنوب السودان، والتي ينبغي ألا تظل عرضة لإعادة التفاوض.
ولكن توجد حدود لمساهمات الأطراف الخارجيين في عمليات الحوار الداخلية والإصلاح. ولا يمتلك الاتحاد الأفريقي تاريخا طويلاً في دعم التغيير السياسي الداخلي على المستوى المطلوب في السودان. ولكنه يمكن أن يعمل كميسِّر، وداعية وموفر للخبرات الفنية، إلا أن دوره النهائي يتمثل في تهيئة الأوضاع للسودانيين لكي يديروا العملية بأنفسهم، وكذلك في إطلاق عنان خيال صانعي القرار بقدر الإمكان. وإذا فشل السودانيون في إدارة العملية، فسرعان ما ستفقد مصداقيتها وستلقى اتهامات بالتدخل الخارجي، وهي واحدة من الانتقادات المفضلة للنظام الحاكم.
وستحتاج أية عملية حوار أيضا إلى التعاطي مع الفيل في الغرفة، المتمثلة في اتهامات المحكمة الجنائية الدولية للرئيس البشير وكبار معاونيه، ليستطيع السودان في نهاية المطاف تطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي. وإذا أسفرت عملية الحوار والإصلاح عن حكومة شاملة وديمقراطية، فقد تكون في وضع يمكنها من التفاوض مع المحكمة الجنائية الدولية من اجل محاكمة المتهمين داخل السودان، أو عبر عملية مشتركة مع المحكمة. وإذا أجريت عملية حوار تتسم بالمصداقية، يمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة النظر في تأجيل النظر في الاتهامات مؤقتًا بموجب المادة 16 من نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية. ولكن لا يمكن التضحية بتدابير العدالة في نهاية المطاف. وإذا بدأت عملية الحوار الحقيقية، فسيتطلب الأمر من الأطراف المشاركة بشكل مباشر وكذلك الأطراف المراقبة التحلي بالصبر والتسامح، للتعامل مع المد والجزر في العملية. وأخطر التهديدات هو محاولة النظام الحاكم استغلالها لأغراضه الخاصة، أو إحباطها كلية إذا بدأت تتخذ منحى غير مرغوب فيه. وسيتطلب الأمر إعداد استراتيجيات للتعاطي مع كلا التهديدين. ومع أن فرص نجاح عملية الحوار والإصلاح الوطني الشامل قد تكون متواضعة، فإنها تعد أفضل مسارات التقدم للأمام لدولة لا تجد أمامها خيارات جيدة. وبدون مثل هذه العملية، لن تسنح للسودان فرصة للتغلب على دوامة عدم الاستقرار الهدامة.
نبذة عن الموجز
يحلل هذا الموجز آفاق إجراء حوار وطني وإصلاح حقيقي في السودان. يعمل السفير برينستون ل. ليمان كمستشار خاص لرئيس معهد السلام الأميركي وكان مبعوث الولايات المتحدة الخاص السابق للسودان وجنوب السودان. ويعمل جون تيمن كمدير لبرنامج القرن الأفريقي التابع لمعهد السلام الأميركي. الآراء الواردة في هذا الموجز تعبر عن آراء المؤلفين، ولا تعبر بالضرورة عن آراء معهد السلام الأميركي، الذي لا يتبنى مواقف سياسية.
نقلا عن حريات